نحو محاولة التفكير في مفهومي العمل الفني والممارسات الفنية

ما الفن ؟: التباس وصعوبات تحديد المفهوم:

فلسفيًا: قد يعرف الفن في ارتباطه بمفهوم الإبداع والجمال، ويحدد على أنه  ممارسة ابداعية تتوخى الاتيان بصورة أو حالة أو رسم أو تخطيط على غير مثال مسبق ودون وسيط أيديولوجي أي أنه  يصدر “كابداع صاف “.

لكن يستعصي دائمًا تحديد “مفهوم  محدد للفن” أو مفهوم إجرائي إلا من حيث وجوده كعمل فني  ملموس  ومدرك من طرف  المتلقي، نظرا لكثرة الآراء و المواقف  والتحديدات،  فلفظة “الفن” هنا  لا تعدو أن تكون في لعبة  التبادلات الرمزية  والمفاهيمية هذه، سوى الخانة الفارغة التي تشرع  لهذه التبادلات وهذا التجاذب.

وبالتالي فإن فكرة الأساسية هي أن “الفن  هو مفهوم ينشط  داخل الفهم المرتبط  بالفنان كمصدر للفعل الإبداعي أو بالجمهور المتلقي ومدى تحديده لذلك العمل المقدم له.

إلى ماذا يحيل العمل الفني سوسيولوجيا؟

إن العمل الفني المعاصر ليس حكرًا على عبقرية المبدع وإنما يستمد مقوماته من خلال عرضه أما الجمهور المتلقي مما يجعل النظر والمشاركة هي ما يعطي للعمل صفة الإبداع. 

ويساهم في تنشيط الحس الفني وبناء ثقافة بصرية مخصوصة بكل فرد يتذوق العمل من خلال محدداته ومعاييره الخاصة.

  1. لايقتصر الأمر هنا في التركيز على تفضيلات بعض الناس أو تحديدات الفاعلين في الحقل الفني و إنما لشروط تاريخية وثقافية متراكمة تغدي معرفة ما حول ما يمكن أن يسمى “عملا فنيا”  .
  2. يرى كارل مانهايم أن: كل مفهوم و كل معنى ملموس إنما يمثل بلورة لتجارب مجموعة معينة. ولا يحدد بالضرورة أذواق فئات أخرى.

ومن تم فإن العمل الفني اجرائيا يشمل مجموعة من الممارسات الفنية التي لاتخلو من حس إبداعي وتجربة إنسانية: كالعزف على الآلات الموسيقية أو الغناء أو النحت، أو الكتابة أو الرسم أو الحكي  و المسرح أو السينما …وغيرها . 

الفن

الممارسات الفنية المستحدثة في الفضاء العمومي الحضري (أشكال الحضور ودلالاته) :

هناك دينامية على صعيد الممارسات الفنية للناس وما طرأ عليها من تغييرات في الوقت الراهن، ولاسيّما الممارسات الفنية  للشباب بوصفهم فئة حيوية في مختلف المجتمعات حيث تشكل مواقفهم وقيمهم ورؤاهم مؤشرات واضحة على التطورات المستقبلية المحتملة في المجتمعات التي يعيشون فيها.

ويبرز ذلك من خلال الحضور الفني في الفضاءات والساحات العمومية :

من خلال الحضور الواسع للأفراد والمجموعات، إضافة إلى الفرق الموسيقية والمسرحية الشبابية، ومجموعات أخرى تعنى بالكتابات الجدارية أو مايسمى ب(Les Graffitis) وكل هذه الأشكال  تقحم ضمن مايسمى ومايتداول على أنه “فنون الشارع” street arts، وهي من أشكال التعبيرات الفنية التي تصنف ضمن “ثقافة الشباب ا”. وتتخذ هذه التعبيرات الفنية من بعض الفضاءات العمومية في العديد من المدن المغربية فضاء للتعبير والإبداع، وجعلت منها مساحات ثقافية في الوسط الحضري. وساهمت بشكل ما في جمالية الفضاءات و تكريس ثقافة بصرية تجعل المواطنين في احتكاك يومي مع العمل الفني .

كما أنها تؤسس لروابط جمالية تجمع بين العمل الفني و الفنان و الجمهور المتلقي في بيئة تفاعلية مفتوحة، وهو مايسمح بتطوير الشكل الفن ، و حسب كارل بوبر في كتابه الفن ، الفعل و المشاركة “Art  action et participation  فإن هذه العملية تظهر الروابط بين الإنسان و البيئة أكثر دينامية.

وفي هذا الصدد يرى الباحث خليل قويعة : وهو أستاذ الجماليات و علوم الفن في تونس ، أن ظاهرة المشاركة مكنت من مساهمة الجمهور في تجاوز موضوع الفن الكلاسيكي، ما فسح المجال لظهور أشكال فنية جديدة .

وضمنها l’art de rue  ، حيث يصبح الفضاء السوسيولوجي  فضاء للمشاركة الثقافية على نحو ما و تكييف الفضاء المعيشي اليومي مع التطلعات الجمالية و الفنية للإنسان المعاصر .

وتشكل التعبيرات الفنية جملة من  الأنشطة التي تشكل عملا فنيا : كالعزف على الآلات الموسيقية أو الغناء أو النحت، أو الكتابة أو الرسم أو الحكي وغيرها. إنها بوجه عام تشير إلى تجليات الثقافة حيث يمارسها الفرد باعتباره فاعلا ثقافيا ينتج ثقافة ويعيش من خلالها.

كما  يعرف عالم الاجتماع الفرنسي فيليب كولانجون “Philippe Coulangeon”، الممارسات الثقافية “مجموع أنشطة الاستهلاك أو المشاركة ذات الصلة بالحياة الفكرية والفنّية، والتي ترتبط بترتيبات جمالية وتشارك في تحديد أساليب الحياة‘”.

وتجذر الإشارة إلى أن موضوع الممارسات الثقافية و الفنية يرتبط  بمحددات اجتماعية تنحصر في تعامل الأفراد مع ما يتاح من “مادة ثقافية” لا بمعناها الأنثربولوجي بل بمعنى التعامل مع المادة الثقافية حيث لم تعد الثقافة اليوم خاضعة لوسائل تقليدية في النشر والانتشار بل أصبحت متأثرة بالتكنولوجيات الحديثة.