يوتوبيا توماس مور.. صرخة ضد الملكية الفردية

Comments 0

الفيلسوف هو ضمير مجتمعه، ومرآة ظروفه الاجتماعية، فالدور الأساسي الذي يلعبه الفيلسوف الحقيقي أن يدرس مشاكل عصره ويقدم الحلول المناسبة وفق منهجه الفلسفي..

وفي ضوء ذلك نجد الفيلسوف الإنجليزي ” توماس مور” في القرن السادس عشر يمثل صرخة احتجاج على أخطاء النظام الاجتماعي والسياسي القائم في إنجلترا حينئذ، فانتقد الملكية الفردية، وهاجم موقف النبلاء العاطلين الذين يعيشون على عمل الآخرين .

والحل الذي قدمه كان بمثابة الحلم الهروبي، وفي الوقت نفسه كان وسيلة للسخرية من المؤسسات والحكومات التي عاش في ظلها!

قصة كتاب يوتوبيا

لاحظ “مور” أن انجلترا تتحول من اقتصاد تقوم فيه الدولة على تنظيم العمل، إلى اقتصاد يسيطر عليه المشروع الفردي.

فوضع في كتابه ” يوتوبيا ” الذي أخذ الشكل السردي القصصي المثالي شخصية أستاذ برتغالي أسماه “روفائيل”، الذي ترك وطنه وممتلكاته مأخوذاً بشهوة المغامرات، وفي إحدى مغامراته عثر على جزيرة يوتوبيا ..

فنجده يرسم شكل الجزيرة الخيالية ويصف ماوصل إليه شعبها من تقدم، ومن جهة أخرى يعرض المظالم الاجتماعية لعصره.

التنظيم الاقتصادي

انتقد “مور” الفوضى الأخلاقية في البلاد، وحلل أسبابها إلى عدم المساواة، وعدم تحقيق العدالة الاجتماعية، وذلك يرجع إلى نظام الملكية الفردية الفاسد، فهو في نظره رأس الفساد ومصدر الشقاء والبؤس الذي يعانيه السواد الأكبر من الشعب.

وعلى ذلك أقام في الكتاب حملات قوية على هذا النظام وإحلال نظام الشيوعية محله، إذ أنه يؤمن بأن الشيوعية فيها الحل الذي ينقذ المجتمعات من عثرتها الاقتصادية والأخلاقية.

وبناء على ذلك نجده يرسم النظام الاقتصادي في الجزيرة الخيالية فيقوم علي :

  • إلغاء الملكية الخاصة تماماً.
  • الأرض هي مصدر الثروة الأساسي، والزراعة هي الحرفة الغالبة لأهل الجزيرة.
  • العمل إجباري، ولا يعفى منه إلا العجزة والمرضى.
  • العمل هو مركز الحياة، وليس شيئاً يترك للعبيد.
  • العمل ست ساعات يومياً، وبقية اليوم لتوجيه المواطنين.
  • تستخدم الأيدي العاملة الفائضة في إصلاح الطرق.
  • توضع الغلات في “مخازن الشعب”.
  • ❖    تتبادل السلع شهرياً بين الريف والحضر، وتمحى وظيفة النقود بفضل وفرة الإنتاج.

تعليق ” A.L.Morton

يرى ممثل اليسار الشيوعي أن “يوتوبيا” عملٌ فريدٌ جديرٌ بالتقدير، حيث تقدم نوعاً من الاشتراكية، إذ أنه حافظ على قدر من حرية الاختيار، كما قضى على الطبقية، وأكد على أهمية عمل الفرد لتوفير حياة جماعية.

ويعلق على ذلك بقوله:

“إن خبرة مور بالحياة كانت أكبر من أن تجعله يعتقد أن أي طبقة مهما كانت حسنة النوايا، ومهما بلغت درجة الحرص في تعاليمها، يمكنها أن تمتلك سلطة الدولة دون أن تقهر أو تستغل الأغلبية التي لا تملك شيئاً”

كما يرى أن وصفه للدولة والأغنياء واستغلاله للفقراء يتفق مع آراء “مارك ولينين” الذين عاشا بعده بعدة قرون، مما يدل على فكره السبق لعصره.

تعليق ” Arnest Parker

أكد على أن دوافع “مور” اقتصادية، وشيوعيته هي رد فعل مباشر ضد الأحوال الاقتصادية لعصره، ولم يُسمح للمواطنين بملكية خاصة، بل جُعل كل شيء ملكية عامة.

تعليق “فؤاد شبل”

إن “مور” كان يهدف في كتابه إلى تحقيق أكبر قدر من السعادة لأكبر عدد ممكن من السكان، وأن سكان المدينة يؤمنون أن الله قدر سعادة البشرية، وما على الإنسان إلا اتباع الطبيعة التي تقوده إلى السعادة التي تتفق مع وجدانه، ويدعو الإنسان أن يأخذ في الاعتبار أن سعادته لا تعيقها سعادة الآخرين، وليس شرطاً لتحقيقها أن تتسبب في تعاستهم.

وفي النهاية نستطيع القول أن “توماس مور” قدم عملاً فنياً خيالياً بشكل يتمناه الواقع..

رسم جزيرة القديسين التي طُبقت فيها أبسط مبادئ الإنسانية والمساواة والعدل ..

كما دمر مواطنوها فكرة استغلال الإنسان للإنسان الأضعف أو الأفقر .. فانتهى بذلك النظام الطبقي الرأسمالي على أرض الجزيرة.

و ما بين صرخة العمل الفني “يوتوبيا” في القرن السادس عشر وواقع الأوضاع الاقتصادية وسيطرة أصحاب رأس المال في القرن الحادي والعشرين .. يجب علينا أن نسأل.. هل نحن في حاجة إلى صرخة جديدة ؟

المصادر :

  • كتاب ” يوتوبيا ” تأليف توماس مور
  • كتاب ” في فلسفة السياسة ” تأليف الدكتورة منال أبو زيد