كيف سيطرت جماعة الأموال على كرة القدم العالمية؟

Comments 0

ستُحاول اتهامي بالجنون إن خالفت العجلة الدائرة، وتحدثت عمَّا يدور في عالم كرة القدم من تأثير جماعة الأموال على أندية كرة القدم العالمية، الأموال كانت مجرد البداية لعالم مليء بالإثارة، وإحداث ثورة في عالم الأرقام المالية للأندية، ولكن الأموال من ناحية أخرى كانت السبب في ظلام بعض الأندية…

الضربة الأولى:

كان العالَم مستقرًا من ناحية الأندية الأجنبية، الجميع يعلم أنه فقط ريال مدريد من يقوم بصفقات مالية كبيرة، لكنه يفعلها كل حقبة زمنية كبيرة، أما البقية فهناك من يعتمد على ناشئيه مثل: برشلونة وأرسنال، وهناك من يشتري لكن بحرص.. أمثال: ليفربول وتشيلسى، حتى جاءت الضربة الأولى -كانت بسيطة لكنها كانت البداية- في يوليو من عام 2006 قامت شركة الطيران الإماراتية ببناء ملعب أرسنال، والذى كلف الكثير والكثير، وتم وضع اسم الإمارات على الملعب لمدة تقارب المائة عام -هكذا اشترطت الشركة- في البداية.

رأى الجميع أنها خطوة اعتيادية تمامًا وهكذا تمَّ التعامل ببساطة مع الضربة الأولى، فجاءت الضربة التي أطلقت العنان لغول الأموال كي يبدأ رحلته لتحطيم أندية وتمجيد أخرى وإعطاء بُعدًا جديدًا لِعالم كرة القدم.

الضربة الثانية ماذا كانت ؟

الضربة الثانية جاءت في الأول من سبتمبر، استولت مجموعة أبوظبي”الاتحاد للتنمية والاستثمار” على ناد مانشسترسيتي في صفقة بلغت قيمتها 200 مليون جنيه استرليني.. حينها كانت الغلبة لمانشستر يونايتد، والسيتي لم يكن من الأربع نوادٍ الكبار، فبدأوا بجلب اللاعبين بدايةً من روبينيهو البرازيلي، مرورًا بالنجم ديفيد سيلفا، ومعه سيرجيو أجويرو، حتى توالت الصفقات واحدة تلو الأخرى حتى تحقق الحلم بصوت المعلق السعودي “فارس عوض” في المباراة الأخيرة من الدوري المُمتاز لعام 2011/2012 واتتصر بها السيتي وحقق لقب الدوري والذى لم يتحقق في السنوات الماضية سوى مرتين، واستمر الحال حتى حقق السيتي الدوري أربع مرات في آخر سبع مرات، وحققوا كأس رابطة المحترفين أربع مرات من أصل آخر ستة أعوام.

المثير للجدل أن السيتي أنفق على الصفقات أكثر من أي نادٍ إنجليزي آخر-اللهم إلا اليونايتد اقترب منه في أحد السنوات- لكن السيتي يصرف ببذخ كثير، حتى أنهم في سوق الانتقالات الأخيرة 2019 لم يستطيعوا جلب جميع الصفقات التي رغبوا بها بسبب أنهم اقتربوا من الحد الذي يمنعهم من إجراء انتقالات لمدة طويلة بسبب قواعد اللعب المالي النظيف.

لن أستطيع إنكار نجاح التجربة على الجانب المحلي وربما على الجانب التسويقي لأن النادي حقق إيرادات قياسية بلغت 535.2 مليون جنيه إسترليني (693 مليون دولار) في موسم 2018-2019 مستمرًا في جني الأرباح للعام الخامس على التوالي…. وكانت الحصيلة القياسية التي حصل عليها النادي من البث التلفزيوني محركًا رئيسيًا في نمو إجمالي الإيرادات التي ارتفعت بنسبة 19.7 في المئة، ويعود ذلك إلى حدٍ كبير لمشاركة النادي في دوري أبطال أوروبا، وبلغت أرباح النادي 10.1 مليون جنيه إسترليني وكانت نسبة الأجور إلى الإيرادات 59 بالمئة. [1]

لكن الحديث عن عيوب هذه التجربة على الآخرين سأذكرها عندما أتحدث عن أضرار الأموال على عالم كرة القدم.

الضربة الثالثة ؟

هذه الضربة كانت اعتيادية إن لم يتم ربطها مع الأولى والثانية، فقد عزم الرئيس بيريز “رئيس ريال مدريد” على إقامة ثورة الجلاكتيكوس. [2] بالتعاقد مع كل من كريستيانو رونالدو وريكاردو كاكا وكريم بنزيما وأربيلوا وشابي ألونسو وراؤول ألبيول، وأعلن بنفسه سقوط اليونايتد خلف رونالدو وسقوط الميلان بعد كاكا ومن ثم تدني مستوى ليفربول بعد رحيل ألونسو فى صفقات وصلت مجمعًا إلى 300 مليون دولار….هل تتخيل كيف كان هذا الرقم بالنسبة لسوق الانتقالات في عام 2009 !! -كما ذكرت هذه الضربة تصبح اعتيادية لأنها حدثت من قبل في عام 2001 عندما جلبوا زيدان و بيكهام ورونالدو وكارلوس، لكن تجربة 2009 إن تمَّ ربطها بضربة السيتى في 2008 والضربة الرابعة مع باريس سان جيرمان سنرى أنه تسلسل لسيطرة عالم الأموال على عالم كرة القدم.

الضربة الرابعة كانت فرنسية:

في شتاء 2011 وتحديدًا في نوفمبر كانت النقلة النوعية في عالم الكرة الفرنسية عندما قام ناصر الخليفي بشراء نادي باريس سان جيرمان، هذه الضربة التي استفزت جميع أندية كرة القدم لأنه بدأ بجلب النجوم بأسعار غريبة.

بدأت الثورة في يناير 2012 بشراء ماكسويل من برشلونة وتياجو موتا من إنتر ميلان بالإضافة إلى المدافع أليكس من تشيلسي، واستمر الأمر في الصيف بالتعاقد مع زلاتان إبراهيموفيتش وماركو فيراتى وتياجو سيلفا، وتواصلت الصفقات واحدة تلو الأخرى ومدربين أمثال: لوران بلان وكارلو أنشيلوتى سيطروا على الدوري الفرنسي وحققوا ستة ألقاب من آخر سبع بطولات دوري، وحدث الأمر كذلك فى كأس الرابطة الفرنسية والسيطرة تمت على الكرة الفرنسية بشكلٍ كامل، باريس يملك تقريبًا أغلى تشكيلة في العالم بسبب الصفقات التى تمت، وآخرها كانت صفقة نيمار الخيالية عندما قام باريس بشرائه من برشلونة في صفقة وصلت إلى 222 مليون.. صفقة ضربت أسعار لاعبي العالم ، وحتى الآن التجربة الفرنسية مستمرة في التوهج بالنسبة لباريس سان جيرمان لكنها تواصل الانحدار بالأندية الفرنسية التي لا تقوى على الاستمرار فى الصرف لأنها لا تملك الأموال التي يملكها ناصر الخليفي في باريس سن جيرمان.

ماذا عن الكوارث التى حدثت ؟ هل كان لهذه الثورة توابع على الآخرين ؟

عالم الأموال قد سيطر على عالم كرة القدم بشكلٍ كبير لكن لكل تجربة عيوب وأحيانًا تؤدى إلى كوارث!

 في إنجلترا:

بما أن الامر قد بدأ في إنجلترا من ضخ الأموال لمانشستر سيتي فإن المشكلة بدأت في إنجلترا من تدني لسوق الأندية في الدوري الإنجليزي.

  • سقط بولتون واندرز وبلاكبيرن روفرز في العام الأول 20111/2012 وقد كانا من كبار الأندية.
  • في العام التالي سقط ويجان أتلتيكو، أحد الأندية التي سببت رعبًا لكبار إنجلترا فى بطولات الكأس والمواجهات المباشرة.
  • سقط أستون فيلا -تذكر أنه حقق دوري أبطال أوروبا فى القرن الماضي – وانقطعت أخباره عنا.
  • سقط نيوكاسل الحصان الأسود للدوري الإنجليزي لفترة كبيرة.

توالت السقطات وهناك من الفرق التاريخية لم تستطع العودة لأن الفكرة أصبحت معتمدة على الأموال، هناك من الأندية من قام بضخ الأموال أمثال: ولفرهامبتون وبيرنلى، لكن البقية لم تقدر فاستمر السقوط نادٍ تلو الآخر.

كما أن أموال البث التلفزيوني أصبحت منحصرة بين فئة معينة من الأندية أمثال: السيتب وتشيلسي واليونايتد وليفربول، حتى عندما حقق ليستر سيتي الدوري الإنجليزي لم يكن النادي الأكثر حصولًا على أموال البث التلفزيوني.

في أسبانيا:

عندما قام الريال بضربة الجلاكتيكوس كان برشلونة حينها يملك أكبر عدد ممكن من نجوم كرة القدم في العالم -أغلبهم من مدرسة اللاماسيا، والبقية صفقات كانت قياسية أيضًا لكنها لم تصل لرقم ريال مدريد، فرأينا ريال مدريد وبرشلونة يسيطران على  نسبة ضخمة جدًا تصل للنصف من حقوق البث التلفزيونى.

هنا رأينا فالنسيا الذى سبب قلقًا كبيرًا لأوروبا وأخرج العديد من الناشئين أمثال: ديفيد سيلفا وغيره من نجوم كرة القدم، رأيناه يسقط ولا يقدر على ضخ الأموال كي يخرج نفس الناشئين أو كي يتطور في عالم كرة القدم .. فى البداية اعتقدوا أن السبب إداري، لكنهم فى النهاية تأكدوا أنها الأموال هي كل ما يحتاجونه.

بالإضافة لنادي خيتافي الذى هبط كثيرًا عن الدوري الممتاز والبقية حدث معها نفس الشيء إما هبطَ أو ظلَّ يتخبط في الأرض.

أما في فرنسا:

باريس سان جيرمان أساء للكرة الفرنسية التي طالما أخرجت مواهب عديدة، وأندية كثيرة دخلت لدوري الأبطال وجعلتنا نرى مستويات مبهرة، حتى أنني أتذكر أن ليون الفرنسى أخرج ريال مدريد مرتين متتاليتن من دوري الأبطال والأداء الذي كنا نراه من مارسيليا وموناكو.

موناكو نشط لعام واحد 2016/2017 وحقق الكثيروالكثيروكاد أن يصل لنهائي دوري الأبطال، وانتصر بلقب الدوري الفرنسي، لكنه فى الأعوام التالية لذلك عانى من الهبوط ولازال يواصل الانحدار.

سانت إيتيان أحد أكثر الأندية تحقيقًا للقب الدوري الفرنسي لم يرَ اللقب منذ سبعة أعوام تقريبًا، وفي كل عام يتواجد في المركز الرابع أو مراكز أخرى.

مارسيليا يواصل ويواصل لكنه لا يجد شيئًا، في كل مرة يواجه باريس وينهزم بنتيجة ساحقة ويواصل التخبط.

والأمر كذلك مع ليون الذي لا يقوى على مجاراة باريس في صرف الأموال، أينعم هناك مقاتلة نجدها من ليون لكن النهاية معروفة.

الشخصية لا تُشترى بالمال:

في عالم كرة القدم ظهر تحديًا كبيرًا جدًا بين جماعة الأموال والأندية التاريخية، أينعم استطاعت الأموال أن تضع هذه الأندية في مكانة كبيرة، لكنها لم تمحُ أن نوتنغهام فورت قد حقق لقب دوري الأبطال مرتين والسيتي لم يفعلها، والأمر كذلك بالنسبة إلى باريس سان جيرمان الذي لم يفعلها ولكن مارسيليا فعلها.

أيضًا فى الأعوام الماضية رأينا شخصية فريق بحجم ريال مدريد يهزم باريس سان جيرمان في المباريات الإقصائية من دورى الأبطال وكذلك انهزموا من برشلونة وفعلها بهم مانشستر يونايتد وقت معاناته … الشخصية لا تُشترى بالمال وهذه كانت أحد أكبر المشاكل التى واجهت جماعة الأموال وحتى هذه اللحظة لم يتم إيجاد الحل.

النتيجة ؟

أندية تخرج من الظل إلى النور إلى العالمية وما بعدها… السيتي وباريس وغيرهم من الأندية التي تمتلئ بالأموال واللاعبين الكبار، حققوا الألقاب لكنهم لا زالوا يبحثون عن التاريخ ، لا زال البحث مستمرًا عن الشخصية التي لم تقم الأموال بشرائها.

وأندية أخرى لها شعبية كبيرة سقطت ولا زالت تترنح، نيوكاسل سقط وخيتافي ومارسيليا وليون سانت إيتيان وهلمَّ جرا.

لكن هل نرى جماعة الأموال تزداد حتى يتم ضخ الأموال لمساعدة الأندية الشعبية كي تعود مجددًا… جميعنا نريد ذلك بشدة!

[1] الإحصائيات من موقع مانشستر سيتي.
[2] الجلاكتيكوس  بالأسبانى  Galáctico وتعني النجوم العملاقة…  وهو الوصف الذى يُطلق على المشروع الذي قام به فلورنتينو بيريز رئيس نادي ريال مدريد منذ توليه المنصب، حيث كان يقوم بالتعاقد فى كل موسم مع أحد النجوم العمالقة فى عالم كرة القدم، لتكوين فريق قوي ضمَّ وقتها زيدان ورونالدو وفيجو وكارلوس وبيكهام وأطلق عليه “جلاكتيكوس وأعادها عندما تعاقد مع كل من كريستيانو رونالدو وريكاردو كاكا وكريم بنزيما وأربيلوا وشابى ألونسو وراؤول ألبيول.