الخيال! لا تخف ولكن احذر

هل شعرت ذات يوم أنك بحاجة لشخص إلى جانبك، تُفضي إليه كل أسرارك ثم يختفي؛ حتى لا يبوح بأسرارك لأحد، أو ربما تود قتله؟

الخيال

هل تجد نفسك دائمًا منعزلًا عمن حولك من البشر، وإذا حاول أحدهم أن يتحدث إليك تأخذ بضع دقائق حتى تستوعب ذلك؟ 

أحيانًا نجد أن الطريق الوحيد حتى نختبأ من العالم وشروره هو السفر إلى عالم آخر وهو الخيال.

ما هذا العالم؟ هل هو حقيقي؟ هل من يذهب إليه يعود؟ هل الخيال مرض؟ 

هو هاجس يقوم بتنمية الأفكار في عقلك بناءً على تمنِّيك لأمنية ما، والتي غالبًا ما تكون بهدف تحديد للمستقبل الذي يرضيك. 

يرى أرثرت ريبر أنه عملية اتحاد الذكريات والخبرات السابقة والصور التي تم تكوينها مسبقًا وتوظيفها داخل بنية جديدة، وهو عبارة عن نشاط يقوم به الإنسان بكل إبداع وقد يكون مبنيًّا على أساس رغبات الإنسان، أو الواقع الذي يعيشه، أو قصص مستقبلية، أو مراجعات عن ماضيه، فهو بذلك توقعات الحاضر، ومراجعة الماضي، وابتكار المستقبل.

الخيال شيء مبدع، ولكن إذا تجاوزت التفكير به وجلست مدة طويلة على هذا الوضع، قد يصعب عليك الرجوع لفترة والتعامل مع من حولك، وستجد نفسك أغلب الوقت سارحًا بخيالك، غير مبالٍ بمن حولك.

و للتعرف عليه أكثر، ذلك يكون  من خلال أنواعه:

أحيانًا تجلس وحيدًا وتستمع إلى أغانٍ حزينة ويمر شريط حياتك نصب عينيك، هذا النوع خيال تذكري.

أو أنك تجلس على سريرك وتبدأ بكتابة كل أحلامك ثم تقوم بتصوره في عقلك والذي يكون بعيدًا كل البعد عن الواقع، فهي عبارة عن آمال وأمنيات لم تتحقق بعد، مما يسبب لك الإحباط والحزن عند انتهاء التخيل والعودة إلى الواقع.

الخيال

والنوع الثالث تعلمونه جيدًا، وهو الخيال اللذيذ الذي يطرأ  عليك قبل النوم وبعد الاستيقاظ «Overthinking»، لاداعي للحديث عنه أكثر من ذلك. 

أما النوع الرابع، فهو ذلك التخيل التأليفي والإبداعي، بحيث تستخدم كافة حواسك لكي تبدع في الكتابة أو الرسم أو التصميم.

من المحتمل يا صديقي القارئ أنك أحد هذه الأنواع ولكن جزءًا منهم يغلب على الآخر.

أما الآن فيأتي دور الإجابة عن «هل الخيال مرض»؟

بعض العقول يأسرها مرض الخيال فيعيش أصحابها فيه أكثر مما يعيشون واقعهم بين الناس، بل وينفصلون عن من حولهم إن أرادت عقولهم أن تأخذهم برحلةٍ دون إخبار أحد!

لذا فالخيالُ الزائد عن حَدِّه يجعلُ من فكر الشخص منعزلًا، لا يريدُ واقعه، واقع تحت تأثير تخيله لحياةٍ لا أصل لها في عالمٍ افتراضي غير محسوس ولا ملموس، سوى أن عقله الباطن يصورها له حتى يصدقها رغبةً في الهرب بها لعالمٍ يريده ويرغب به هو، ولربما يكون لسد نقصٍ يرى من خلاله الشخص المريض بأنه لا يستطيع الحصول على ما يريد، فيبدأ عقله بتكوين عالمه الخاص.

وبعد كل ما سبق نستنتج أن الخيال مع بعض الناسِ يكون مرضًا، فالطبيعي أن تسرحَ فقط لبضعِ دقائقَ مع ذكرى في عقلك، أو حتى لأبسط الأمثلة أن تسرح بأغنيةٍ تذكرك بمن رحل أو حتى بموقفٍ من الماضي حدث بالفعل وانقضى بغير رجعة، لا أن تعيشَ في الخيالِ وتقوم بتكوين شخصياتٍ من وحي تصوراتك المثالية، وتبني مواقف لا صلة بينها وبين الواقع، وتنشغل عن حياتك بالانغماس في تفاصيلٍ ليست حقيقة، وتكوِن صورةً لا تعكس شخصيتك، فكل ذلك ما هو إلا أحلام يقظة.

إن كنت يا صديقي القارئ تعيش حقًّا في عالمٍ من صنع خيالك تمتلك فيه حياتك وذكرياتك وتفاصيلك وأدواتك الخاصة، فنصيحتي إليك بأن تسرع  بالبحث عن طريقة علاجك، فإن استمرارك في هذه الحالة هو أول طريق وصولك إلى الجنون.

الخيال من منظور فلسفي:

 يرى أعلام هذه النظرية المتمثلة في «دافيد هيوم» أن الخيال ما هو إلا مجرد تركيب لما في التجربة الحسية والعالم الخارجي، ويستمد عناصره من هذا الواقع لا أكثر، فمثلًا عند تخيل حصان بأجنحة فإن هذا التخيل لم يتعدِّ حدود الواقع، لأن الخيال عبارة عن تركيب للجناح والحصان اللذين أُخذا من الواقع أو التجربة، وأن العقل لا يخرج عن حدود معطيات الواقع والتجربة، ولا يمتلك أية قدرة على إبداع وخلق موضوعات ليست من الواقع.

أما أنا، أرى أن الخيال ما هو إلا عذر نختلقه لرؤية شئ قبيح بمنظور جميل، أو الهروب من عالم الواقع لاختلاق أشخاص آخرين نتعامل معهم ونتحدث إليهم ظنًّا منا أنهم أفضل من ذويهم الذين تعاملنا معهم.

ماذا ترى أنت يا صديقي بشأن الخيال؟