عن القلم النسوي والنقد النسائي

Comments 0

“النسوية” في معناها المطلق، هي الإيمان بالمرأة ومناصرة حقوقها وتأكيد حقها في الاختلاف، وتقديمها في جميع نواحي الحياة؛ فظهر هذا المصطلح مصطلح النسوية “Feminism” في عام 1892 أي في أواخر القرن التاسع عشر الميلادي، وقد اُستخدم في مؤتمرٍ للنساء عُقد حينها في باريس؛ لكن الذي يعتبرونه البعضُ اكتشافًا لم يكن بالجديد على العالم، بل العكس فأينما وجدت الإنسانية وجدت النسوية، ولكن الاختلاف فقط في المسميات والاصطلاحات من زمن إلى زمن؛ فهناك من نادى بحقوق المرأة في حضارات كثيرة وهناك من أقصاها وهيمن بذكوريته على كل شيء حوله.

من هذا المنطلق سمي كل ما كتب عن المطالبة بحقوق المرأة ومناصرتها وإعلاء صوتها بين إخوانها من الذكور “بالنقد النسوي”، فالنقد النسوي في المطلق هو كل إنتاج نسائي في مجال الأدب والنقد وحتى في مجال النسوية ذاتها، أو بمعنى أوضح يعني النقد النسوي ذلك النقد الأنثوي المكتوب من قبل النساء بعد أن هيمن وسيطر الذكور على شتى مجالات الأدب لمدة طويلة.

اهتم النقد النسوي بتحليل كتابات المرأة من حيث الموضوع والقضية ولغة الكتابة والجماليات ورؤية الكاتبة، وهذا وإن دل على شيء فإنما يدل على الحرص الشديد للتمييز بين الكتابة الأنثوية والنسائية والكتابة الذكورية الرجولية، وأيضًا توضيح وتشخيص الصراع الجنسي الدائر بين النساء والرجال.

والمرأة هي لب ونواة المجتمع، فهي الأم والأخت والزوجة والجدة والبنت والحبيبة والعالمة والمعلمة والمبدعة، فلا يجوز إقصائها وتهميش دورها في المجتمع كما حدث في عالمنا العربي عامةً والمصري خاصةً، في النصف الأول من القرن العشرين، كانت الأنثى لا تمتلك الحق في أي شيء حتي في اختيار شريك الحياة، ولم يكن لها الحق في التعليم ولا العمل، كاتوا يعتبرون أنه إذا تعلمت المرأة فستجلب لهم العار، أي عار هذا! فبالعلم ننتقل من الظلمالت إلى النور؛ ومن ثم ظهرت حركة الإصلاح التي قادها رجل القانون الراحل (قاسم أمين) حيث دعى أمين بك إلى تحرير المرأة من قيود الجهل والظلام في كتابيه (المرأة الجديدة) و (تحرير المرأة) فدعى إلى تعليم المرأة وإعطائها كافة حقوقها في شغل الوظائف مثلها مثل الرجل؛ فكل الذي دعى إليه قاسم أمين لم يكن إلا ما ينص عليه الشرع الرباني والناموس الإنساني، وقد أمر الله ورسوله بمعاملة النساء معاملة حسنة معاملة إنسانية لا بإقصائها ولا بتهميشها وإهدار حقها كما يحدث من قبل جهال العصر.

ومن أشهر النسويات المصريات الذين نادوا بتحرير المرأة والسماح لها بالمشاركة في الحياة السياسية، وأن يكون لها الحق في الانتخاب وأن يعلو صوتها فوق صوت من يخمد قواها، كانت الراحلة (هدى شعراوي) و (سهير القلماوي) و (نوال السعداوي) وأخريات كُثر ممن ناضلوا من أجل كيان وكلمة “نسوية”.

أما عن المراحل التاريخية المميزة التي مر بها النقد النسوي، فالنقد النسوي مرّ بمراحل عدة متغيرة عما قبلها وما بعدها، لكن الهدف أوحد وهو الأنثى؛ فقد نعتبر المرحلة الأولى هي التي ظهرت موازية للحركة الرومانسية في القرن التاسع عشر الميلادي، ومن أبرز ممن كتبوا في هذه المرحلة (سوزان فوالكات) و (مدام دستايل).

نأتي للمرحلة الثانية التي ظهرت إبان القرن العشرين، تحديدًا في النصف الأول من ذلك القرن، حيث نادت هذه المرحلة الأبرز في تاريخ النقد النسوي بالاعتراف بحقوق المرأة والسماح لها بدخول الجامعات، وحقها الوظيفي أو المهني وإعطائها الحق في القيادة والمشاركات السياسية وتحريرها من التحكمات الذكورية؛ ومن أشهر من جاء في هذه المرحلة (فرجينيا وولف) و (سيمون دبوفوار) والمصري الأشهر (قاسم بك أمين) حيث كانت كتابات هؤلاء الثلاثة في مصب واحد وهو المطالبة بحق المرأة.

ونادت فريجينا وولف بالمساواة الاجتماعية بين الجنسين والمساواة الاقتصادية أيضًا، أي أن يكون للمرأة دخلها المادي الخاص بها بعيدًا عن الرجل، وأن تعتمد على قدراتها الفنية؛ وكانت سيمون دبوفوار هي الأخرى مناهضة للتمييز الجنسي ومناهضة لتهميش الإناث، وهاجمت كل أشكال الهيمنة الذكورية على المرأة، وكان من أشهر كتاباتها مقولتها الشهيرة “إن المرأة لا تولد ولكنها تصبح ما هي عليه. أي: امرأة”.

فأما المرحلة الثالثة والجديدة في تاريخ ذلك النقد النسوي، هي المرحلة التي تتزعمها المرأة الجديدة في النصف الثاني من القرن العشرين؛ وكان من أبرز ما ظهر من مواضيع في هذه المرحلة هو الصراع بين اللونين الأبيض والأسود، فكانت الولايات المتحدة الأمريكية هي محطة انطلاق هذه المرحلة، وفي هذا الوقت كان الذكور مهيمنين بشدة وهذا ما دفع النساء للبحث عن كتابات متميزة ومتفردة عن غيرها مما جاء في المراحل السالفة، كتابات تكون من إبداعات المرأة وللمرأة خصّيصًا لمناهضة هذه الهيمنة الذكورية الفذة؛ ومن أشهر من كتبوا في هذه المرحلة، كانت (جوليا كريستيفا) و (ساندرا جلبيرت) و (روث روبينز) و (سوزان جوبر) و (كيت ميليت) و (جرمين جرير).

وهناك الكثيرات والكثيرون ممن نادوا بحق المرأة عبر العصور إلى وقتنا هذا، وعليه فإن النقد النسوي هو كل كتابات تناصر المرأة وتنادي بمساواتها اجتماعيًا واقتصاديًا، والنقد النسوي أدبيًّا يهتم برصد مظاهر الكتابة النسوية من حيث الموضوع والمظهر والوظيفة، وأيضًا يبين نقاط الاختلاف بينه وبين الكتابة الذكورية؛ فقد يعتقد معظم الذكور في مجتمعاتنا العربية أن هذا النوع من النقد دخيلٌ على ثقافتنا؛ لكن هذا ليس كذلك، فباعتقادهم هذا يظنون أن يبقوا مهيمنين على دواليب الأدب والثقافة والسياسة والأقتصاد وهكذا أشياء، فلو لم تكتب المرأة، كيف سنعرف نصفنا الآخر..؟ أقول قولي هذا وأنت القارئ الأرقى.