المائـدة الأدبية |عبدالرحمن الشرقاوي

في رحلتنا عبر التاريخ الحديث للأدب العربي، وفي القرن المنصرم الذي كان بمثابة عصر ذهبي لمكتبتنا العربية، سنطل من نافذتنا على شخصيات تلك الحقبة الذهبية التي أثْرَت تراثنا الأدبي، بإدخال مفاهيم جديدة، والنهضة بالرواية والمسرحية، متأثرين في ذلك بروح النضال والوطنية والوحدة، والتي ظهرت في كل كتاباتهم وأعمالهم نتيجة للأحداث التي كان يزخم بها القرن العشرون. وسنتناول اليوم على مائدتنا الأدبية، الشاعر والأديب والصحفي والمفكر الإسلامي عبد الرحمن الشرقاوي، من نشأته وتأثره ببيئته ونضاله الأدبي حتى وفاته.

ولد عبد الرحمن الشرقاوي في 10 نوفمبر 1921م  بقرية الدلاتون، شبين الكوم، محافظة المنوفية.. بدأ عبد الرحمن تعليمه في كُتَّاب القرية الذي حفظ فيه جزءًا من القرآن الكريم، ثم انتقل إلى المدارس الحكومية حتى تخرج من كلية الحقوق – جامعة فؤاد الأول عام 1943م.

بدأ حياته العملية بالمحاماة، ولكنه هجرها لأنه أراد أن يصبح كاتبًا، فعمل في الصحافة في مجلة الطليعة في البداية، ثم مجلة الفجر، وبعد ثورة 23 يوليو عمل في صحيفة الشعب، ثم صحيفة الجمهورية، ثم شغل منصب رئيس تحرير روز اليوسف حتى عزله السادات، وعمل بعدها في جريدة الأهرام، كما تولى عددًا من المناصب الأخرى، منها: سكرتير منظمة التضامن الآسيوي الأفريقي، وأمانة المجلس الأعلى للفنون والآداب.

كان للبيئة التي نشأ بها الشرقاوي أثرًا بالغًا في توجهه وحبه للأدب لاحقًا، فكان دائم الاطلاع على الكتب التي يجلبها إخوته معهم عند عودتهم من القاهرة، وكانت هي النافذة الأولى التي عرف من خلالها أسماءً لأدباء هذا العصر مثل: طه حسين، والعقاد، وأحمد شوقي، والمنفلوطي، ومحمد حسين هيكل، وفي المرحلة الثانوية كان قارئًا منتظمًا لـ “حديث الأربعاء” وهي أشهر كتابات عميد الأدب العربي “طه حسين”، والتي كانت تنشرها جريدة السياسة من كل أسبوع.

أثَّر ذلك على رغبته في الالتحاق بكلية الآداب، ولكن توجهات والده وعائلته جعلته يلتحق بكلية الحقوق، ومع ذلك لم تنقطع علاقته بالأدب حيث كان يحضر محاضرات الدكتور طه حسين الأسبوعية، وأقبل على حفظ الشعر الجاهلي وشعر عنترة والمعلقات ومختارات البارودي وأبي تمّام.

كذلك كانت للحياة الريفية أثرٌ كبير على الشرقاوي، وكانت القرية المصرية هي مصدر إلهامه، وانعكس ذلك على أول رواياته ’’الأرض‘‘ عام ١٩٥٤م ، والتي تعد أول تجسيد واقعي في الإبداع الأدبي العربي الحديث، وقد تحولت هذه الرواية إلى فيلم سينمائي شهير بنفس الاسم من إخراج يوسف شاهين عام 1970م.

وله أعمال روائية أخرى ’’قلوب خالية‘‘ 1956م،  و ’’الفلاح‘‘ 1967م، و ’’الشوارع الخلفية‘‘ 1958م التي هي أقرب لسيرة ذاتية.

ومن أشهر أعماله مسرحية ’’الحسين ثائرًا‘‘، مسرحية ’’الحسين شهيدًا‘‘، ’’مأساة جميلة‘‘ عن الجزائرية جميلة بوحيرد، مسرحية ’’الفتى مهران‘‘، ”النسر الأحمر‘‘، و ”أحمد عرابي‘‘، أما في مجال التراجم الإسلامية فقد كتب ’’علي إمام المتقين‘‘، ”الفاروق عمر‘‘، و ’’محمد رسول الحرية‘‘ التي تم مصادرتها ثم تم الإفراج عنها بعد أن أرسل برقيته الشهيرة إلى عبد الناصر: ’’لَأنْ تضعني في السجون الحربية أفضل من مصادرة كتاب محمد رسول الحرية.‘‘

كما شارك في سيناريو فيلم الرسالة بالاشتراك مع توفيق الحكيم وعبد الحميد جودة السحار وله قصائد عدة لعل أشهرها.. ’’أب مصري للرئيس ترومان‘‘.

لقد كانت حياته وكتاباته ثورة مستمرة ضد الظلم والطغيان؛ فتعرض للسجن تارةً أو مصادرة أعماله تارةً أخرى. وقد توفي في ٢٤ نوفمبر ١٩٨٧م، تاركًا خلفه ذلك الميراث الأدبي والإسلامي لمكتبتنا العربية.

وقد حصل عبد الرحمن الشرقاوي على جائزة الدولة التقديرية في الآداب عام ١٩٧٤م، والتي منحها له الرئيس السادات، كما منحه معها وسام الآداب والفنون من الطبقة الأولى. وحصل على جائزة “لينينا” للسلام. وقد تم تكريمه في معرض القاهرة الدولي للكتاب 2018 في دورته التاسعة والأربعين كشخصية للمعرض.