الموت يختار ببراعة .. أحمد خالد توفيق

Comments 4

بل الموت يَختار بِبراعة … يختار الأفضل، والأنبل، والأشجع

   أحمد خالد توفيق  – من أجل طروادة.

أليس غريبًا أننا حتى حيَن نَكتب عنك نُفتش عن المُفردات فلا تسعنا، فنلجأ لما تركتَ لنا من إرث ليُعبر عن دواخلنا، فنجده يقول كل شيء ؟!

تقف الكلماتُ مخيبة للآمال حين تعجز عن الوصف ، وتكتشف بعد كتابة عِدة أوراق أنها لا شيء …  لا يُمكن أن نتعامل على أننا نكتب مُجرد ترجمة عن روائي لا نعرفه، نحاول إخراجها في صورة احترافية … فالأمر أبعد عن كونه مجرد خبر موت  كُتب في سطر بمجلة أو جَريدة، لذا لم يكن هيّنًا أبدًا ..

جَعل الشباب يقرأون

أدب الرعب بدأ بالنسبة لي لأني كنت طفل خوّاف جداً، والطفل واسع الخيال، فيبدأ يستكشف مخاوفه.. اكتشفت أنك عندما تكتب عن الرعب إلى حدّ ما تتخلص من مخاوفك.


 أحمد خالد توفيق في أحد حواراته

يُخبرنا أحمد خالد توفيق ببساطة أنه كان طفلًا يَخاف … يَخاف جدًا، الكثير يَمُر بهذه المرحلة، لكنه لم يَنفصل عنها، لم ينبثق من هذا فقط أدب الرُعب، لكن كل ما هو إنساني أيضًا.
يَظهر ذلك بِوُضوح في شَخصياتِه بمشَاعِرها المُتناثرة، والتي تَشترك في تَكوينها البَشري جداً، شديدُ الاعتياديّة، بل شديدُ الضعف أحياناً … تَترفعُ عن مُبالغات القُوة، والبُطولة، تَحترم قُدرات من تخاطبهم ، فلا تَجد المسافات شَاسِعة بينك وبين أبطالِه، والذي سينعكس على المسافة بينك وبين العرّاب وإن لم تره .

ما وراء الطبيعة

شَخصيته الأشهر (رفعت اسماعيل ):- أستاذ أمراض الدم السابق الذي لا يملك ملمحًا مميزًا سِوى كَونه كبيرًا عجوزًا ضَعيف الجسد، تَكثر إصابته بالوعكات الصحية، لكن حياته لم تكن اعتيادية رتيبة، يُواجه المُغامرات ويتمكن من هزيمة الأشباح، لا عن طريق قوة خارقة وإنما مِن خلال عَقل ذكي شديد الاطلاع وَواسع الثقافة.

تتميز بأنها لا تتميز

 دور البطولة الذي نادرًا ما تلعبه فتاة، وإن كانت سعيدة الحظ لهذه الدرجة فغالبًا ستأخذ صورة الفتاة خارقِة الجمال، التي تأسر كُل من يراها لطلتها الرائعة لكن حين تُطالع فانتازيا لا ترى أي من هذا فَبطلتها عبير عبد الرحمن فتاة عادية جدًا  -تتميز بأنها لا تتميز- ظاهريًا … لكنها شديدة الذكاء،  نهمة للقراءة، ذات خيال خَصب، ورُوح رقيقة شديدة الحساسية.

ضعيف البصر ، سيء الحظ

 أما في سَفاري فقد كان البَطل  شابًا على عكس رفعت اسماعيل، لكنه لم يَكن خارقًا أيضًا فقد كان ضَعيف البَصر، وسيء الحظ.

وعلى الرَغم من المُحتوى الثري الذي تضمنته أعماله، فكان أسلوبه شديد البساطة خالٍ من التعقيد، يُدرك جيدًا من يُخاطب وكأنه يَنزل لنا على ركبتيّه يُخاطبنا بِصوت هاديء دون استهزاء أو استعلاء، ثم يَرتفع بِنا كُلما شببنا أكثر، حتى كَبر هذا الجيل وتَفتح علي يديه وتعلم.

ما يُميز هذه المجموعات كَونها مُغايرة  تمامًا للأعمال الموجهة  لفئة المراهقين في هذه الفترة، والتي امتلأت بأبطال خارقين، شخصيات أشبه بسوبر مان أو رجل المُخابرات القوي، أبطال لا نراها سِوى في الأفلام أو الأساطير، أبطال تَظهر، وتَختفي، وتَشتبك وتُقاتل لكنها لا تَموت ولا تُشبهنا.

 التحول إلى كتابة الروايات :

في عام ٢٠٠٨ صدرت “رواية يوتوبيا” ، تَحدث فيها عن مصر ٢٠٢٣ ،مُتنبئأ بأن الأغنياء سينفصلون تمامًا عن المُجتمع، يَعيشون في مدينة مُحصنة بأسوارٍ أطلقوا عليها اسم (يوتوبيا)  تُحْمَى من قِبل مارينز الجيش الأمريكي، تَتوفر لهم كل الملذات والرفاهيات، يعيشون حياة أبعد ما تكون عن حَياة الإنسان  السوية ، أقرب ما تَكون  لِحياة البهائم التي لا تهتم سوى بنزواتها وملذاتها، و خارج السور على الجانب الآخر حيث يسكن  قليلوا العلم والمال في فقر كامل  بِمساحة تَعمها الفَوضى  وانعدام النظام،  يَتوحش فِيها الناس على بعضهم بعضًا.

في ٢٠١١ بالتزامن مع ثورة الخامس والعشرين من يناير شارك الفئة التي كان دائمًا ما يُخاطبها في أعماله، لم يأخذ اتجاهًا مغايرًا لهم، وكذلك لم يَلِذ بالصَمت.
ومع اضطراب الأحداث واختلاف الرؤى، خَرج برواية السِنجة، التي اقتربت بِشكل كبير من حياة المصريين في المناطق العشوائية.
في ٢٠١٥ أصدر (مثل إيكاروس)، عن  مصر ٢٠٢٠ . تدور أحداث الرواية في مصحة للعلاج النفسي، يَمر بطلها بالعديد من الصراعات حتي يلوذ بالصمت.

“مساكين نحن البشر … نُطارد الأوهام في كل صَوب، ثم نكتشف أنها أوهام، بعد ثوانِ نرى أوهامًا جديدة في الأفق فنطاردها..”


رواية مثل إيكاروس … أحمد خالد توفيق

وفي آخر أعماله شآبيب الصادرة عام ٢٠١٨ يَتجاوز فيها أحمد خالد توفيق مُشكلات مِصر لينتقل إلى مُشكلات العالم العربي ككل، يَتحدث عن الشتات الذي نُواجهه، يُخبرنا أننا سنتوه كثيرًا ، وكُل ما سنأمل أن نَجد أرضًا نأمن فيها دون اضطهاد أو خوف.

“يَنظر للسماء التي تَطل في خجل من أعلى … يَأخذ شهيقًا عميقًا لكنه يكتشف أنه تعثر في بركة مجار صغيرة، هذه شوارع لم تُخلق للنظر للسماء، كل شئ يُجبرك على أن تمشي منحنيًا في ذل.”


أحمد خالد توفيق شآبيب

الرجل الذي لم يخذلنا

 تعاقبت الأحداث السياسية في مصر ،وجاء وقت المباديء لتُختبر ،تخلى من تخلى ، وخذل من خذل، ساد شعور بأن الجميع زائف، وكُل شيء أجوف ليبقى هو مع القليلون جدًا متسقًا مع ما علمنا إياه، رسالة لنا إنه لا يزال هناك خيرًا، ولإقامة الحجة على من تخلى.
وداعًا أيها الغريب …

وداعًا أيها الغريب
كانت إقامتك قصيرة، لكنها كانت رائعة
عسى أن تجد جَنتك التي فتشت عنها كثيرًا
وداعًا أيها الغريب
كانت زيارتك رقصة من رقصات الظل
قطرة من قطرات الندى قبل شروق الشمس
لحنًا سمعناه لثوانِ من الدغل
ثم هززنا رؤوسنا وقلنا أننا توهمناه
وداعًا أيها الغريب
لكن كل شيء ينتهي!